(المجالات العدالة (المثال
العدل مع الله
العدل مع الله عز و جل في توحيده وتنزيهه عن
الشريك فهو
أعظم العدل، وهو توحيد الله عز و جل لا شريك له، وهو الحق الذي قامت به السماوات والأرض،
ومن أجله خلق الله الخلق، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ
كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾.
ويقابل هذا القسم من العدل أعظم الظلم، وهو
الإشراك بالله عز و جل والكفر به، والتحاكم إلى غير شرعه ومنهجه القويم، وهو مصداق
قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا
بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾، ومثل قوله
سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، وقوله عز و جل: ﴿وَالْكَافِرُونَ
هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
العدالة الاجتماعية
العدالة الاجتماعيّة تسعى
كثيرٌ من الأمم والحضارات الى السّمو بقيمها ومثلها من خلال تطبيق منظومة أخلاقيّة
تقوم على أساس تحقيق العدالة الاجتماعيّة بين النّاس، فالعدالة الاجتماعيّة هي
مفهومٌ شامل لكثيرٍ من جوانب حياة النّاس، وإنّ من شأن تطبيق هذا المفهوم في
المجتمع أن يحقّق العدالة والمساواة بين النّاس، ويحقّق لهم الحياة الطيبة العادلة
بعيداً عن مشاعر الإحساس بالظّلم أو القهر نتيجة سلب الحقوق أو الاستئثار
بالثّروات أو احتكار أيّ منها لطبقةٍ من المجتمع دون أخرى.
مفهوم العدالة
الاجتماعيّة يعني تطبيق منظومة من السّياسات والإجراءات التي تضمن لجميع النّاس
الحصول على حقوقهم على قدم المساواة مع غيرهم دون محاباة لصاحب سلطة أو جاه أو
نفوذ، وكذلك تشير العدالة الاجتماعية إلى حقّ كلّ مواطن في الدولة أن يحصل على
نصيبه من النّاتج القومي للدّولة، وأن يكون له الحقّ في التّعبير عن رأيه بحريّة
والمشاركة في العمل الاجتماعي والسّياسي، وتكافؤ الفرص أمام جميع النّاس، وإزالة الفوارق
الاجتماعيّة والاقتصاديّة بينهم بحيث يكونون متساوين في الحقوق والواجبات.
في الإسلام اهتم الإسلام
بمسألة تحقيق العدالة الاجتماعيّة من خلال منظومة متكاملة شاملة لجميع جوانب حياة
النّاس، ولم تأتِ شريعةٌ من الشّرائع السّماويّة حقيقةً بما أتى به الإسلام،
فالإسلام يؤكّد على مبدأ التّشاركيّة والمساواة في الحقوق من خلال التأكيد على
شراكة النّاس في أهمّ موارد البيئة وهي الماء والكلأ والنّار. كذلك يشرع عبادات
كالزّكاة والصّدقة ويرتّب مسائل كالنّذور والكفّارات والوقف تضمن للمجتمع الإسلامي
أن يعيش وفق أرقى معايير العدالة الاجتماعيّة وأرقاها، كما حرص الإسلام على إزالة
الفوارق الفاحشة بين طبقات النّاس، من خلال حثّ الجميع على العمل والإنتاج وتأمين
الحرّيّة لهم لممارسة تجاراتهم وأعمالهم بعيداً عن الاحتكار المجرّم، أو الاستئثار
المعيب.
العدالة في السياسة
كما تطرح الدراسة مجموعة
من التساؤلات والأفكار التي تستحق أن تكون موضع دراسات مستقلة عن العدالة والقيم
السياسة الإسلامية. وبوجه عام، فقد انطلقت من عدة فرضيات وتساؤلات محورية حول
مفهوم العدالة كقيمة سياسة في النموذج السياسي الإسلامي، وأثر ذلك في خلق التباين
بين نظام القيم السياسة الإسلامية ونظام القيم السياسة الغربية، ولذا سارت في
محورين متكاملين: المحور الأول عملية الصياغة الفكرية والنظرية للعدالة ومكانها في
الخبرة السياسية الإسلامية
يمكن التعرف على مجموعة
من النتائج التى خلصت إليها الدراسة والتساؤلات التى طرحتها وتحديدها فى مفهوم
العدالة كونه من المفاهيم الثابتة والواضحة فى الرؤية الإسلامية وفى الممارسة
السياسية الإسلامية، واعتباره قيمة سياسية يحمل عدة دلالات ومعان تميزه عن ذات
المفهوم فى النماذج الحضارية الأخرى، حيث يتغلغل المفهوم فى الخبرة الإسلامية فى
جميع مناحى الحياة الإنسانية، ومن ثم لا يقف مبدأ العدالة الإسلامية عند حدود
النظام السياسي، بل يمتد ليغطى كل لون من ألوان الرعاية والمسئولية، ومن ثم يضم كل
فرد مسلم، مهما صغرت مكانته ودوره فى الحياة، فهو راع فى حدود معينة ومسئول عن
رعيته، ولذلك رأينا فى سياق هذه الدراسة كيف أن العدالة الإسلامية تتحدد بدءًا من
العدالة مع النفس، ثم العدالة مع الآخرين أيان كانت مكانتهم
وإن المسؤولية الفكرية
والسياسية اليوم، تقتضي العمل على تجلية حقائق المواطنة، في سياق بناء حياة وطنية
وسياسية، تستند في كل خياراتها ومشروعاتها وخططها على العدالة، بما تعني من مشاركة
ومساواة ومسؤولية، وتداول وانفتاح مستديم، وتواصل مستمر مع كل مكونات المجتمع
وتعبيرات الوطن
- في معنى
العدالة
من البديهي القول: إن
العدالة هي روح الإسلام وجوهره، وإن مفاهيم الإسلام المتعددة ونظمه التشريعية
والقانونية، قد ركّزت أهدافها وغاياتها على ضوئها ومن أجلها، وذلك في مختلف الحقول
والمجالات. لذلك نجد أن الإسلام ينهى عن اتِّباع الهوى، لأنه الظلم والانحرافسبيل
ويقول تبارك وتعالى:
﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ كما أنه نهى نهياً قاطعاً وصريحاً عن طاعة الإمام
الفاسق والجائر والظالم. إذ يقول عز من قائل: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ
رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا
قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ وقال تعالى:
﴿وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ
وَلاَ يُصْلِحُونَ
وعليه فإن العدالة هي
جوهر الإسلام، ومضمون قيمه ومبادئه، وهي الغاية التي يسعى الأنبياء عبر التاريخ
إلى إرساء معالمها وحقائقها في المجتمع الإنساني
فالعدالة السياسية تقتضي
ألَّا تتحول مؤسسات الدولة إلى ممارسة الحيف والظلم والتهميش والتمييز تجاه بعض
المواطنين، تحت تأثير الدوافع الدينية أو السياسية. فالدولة ليس مهمتها تغيير
قناعات وعقائد مواطنيها، وإنما حماية أمنهم وتسيير شؤونهم الكبرى
وإضافةً لهذا، فإنه من
الضروري ألَّا تكون مناصب الدولة وامتيازاتها خاصة لفئة أو شريحة اجتماعية فقط،
وإنما من الضروري أن تكون مفتوحةً لكل الكفاءات والطاقات الوطنية، بصرف النظر عن
أصولهم الدينية والمذهبية، أو منابتهم القبلية والقومية. فهي دولة الجميع، ولا بد
أن تكون امتيازاتها ومكاسبها أيضاً للجميع. وعليه فإن العدالة السياسية تقتضي أن
تكون علاقة الدولة بمواطنيها على مختلف الصعد علاقةً مباشرة ودون واسطةٍ مناطقيةٍ
أو مذهبيةٍ أو قبلية
فلكل مواطن الحق في أن
يتحمل مسؤولية أي منصب في الدولة. كما أن مشروعات الدولة التنموية والخدمية ينبغي
أن تستوعب كل المناطق والشرائح الاجتماعية. فالتحيز المذهبي أو السياسي من قبل
مؤسسات الدولة، لا ينسجم ومقتضيات العدالة السياسية. لذلك فإن المطلوب أن تكون
الدولة محايدة تجاه عقائد وقناعات مواطنيها الدينية والسياسية
- العدالة
وحقوق الإنسان
لا يمكن أن يغادر العنف
مجتمعنا وواقعنا السياسي، دون إرساء معالم وحقوق الإنسان في فضائنا الاجتماعي
والوطني. فحينما تسود في مجتمعنا قيم حقوق الإنسان، تتراجع كل موجبات وعوامل العنف
السياسي
لذلك فإن ظاهرة العنف
السياسي، لا يمكن مواجهتها فقط بالوسائل الأمنية. لأنه قد ثبت من خلال تجارب
الكثير من الشعوب والمجتمعات، أن هذه الوسائل وحدها، هي التي تفاقم من الأزمات،
وتزيد من حدة التوترات
من هنا فإن معالجة ظاهرة
العنف، بحاجة إلى رؤية سياسية - مجتمعية مركّبة، قوامها صيانة حقوق الإنسان،
وتعميم ثقافة العفو والتسامح والبر والقسط والحوار وحق التعبير والاختلاف، وإطلاق
مشروع سياسي وطني، يتجاوز مآزق الراهن، ويجيب عن تحديات المرحلة
وعليه فإن إنهاء مسلسل
العنف من مجتمعنا، يتطلب العمل على بناء حياة سياسية وثقافية جديدة، تستند في
مشروعاتها وإجراءاتها إلى قيم العدالة والبر والتسامح وحقوق الإنسان
فالعلاقة جِدُّ عميقةٌ
بين مبدأ العدالة ومفهوم حقوق الإنسان. حيث إن العدالة بكل ما تحتضن من قيم
ومتطلبات، هي الحاضن الأكبر لمشروع حقوق الإنسان. ولا يمكن أن توجد حقائق حقوق
الإنسان، دون العدالة السياسية في المجتمع. فهي بوابة نيل الحقوق وصيانة كرامة
الإنسان
لذلك جاء في الحديث
الشريف أن «العدل حياة الأحكام» إذ لا حياة لأحكام وقيم الدين إلا بحياة أهدافه
وغاياته.
- المراجع
الأستاذ
محمد المحفوظ، المواطنة والعدالة السياسية - المقالة 2011م
[1] الشيخ محمد يعقوب الكليني، أصول الكافي ج3، ص 568، دار التعارف، لبنان 1990 م