مثل القصص الأنبياء وخلفاء الراشدين
قصة الرسول الله ﷺ في صفة العادل.
كان الرسول الله ﷺ استمرار العلاقة بين المسلمين والنصارى على أساس
العدل، قرَّر رسول الله ﷺ أن يرسل مع نصارى نجران رجلاً يباشر
تنفيذ ما اتفقوا عليه، على أن تكون أهم صفات هذا الرجل هي الأمانة. وعلى الرغم من
أن الأمانة صفة لازمة في كل الصحابة، إلا أن الرسول ﷺ قد اختار من تبلغ
فيه هذه الصفة حدَّ الكمال، حتى يصفه بقوله النبي: »لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ
رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ». حتى إن الصحابة تمنَّوا جميعًا أن يكونوا ذلك
الرجل، فقال: قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ». فلما قام
أبو عبيدة، قال»:هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ».
عدل الرسول مع أهل اليمن ويبدو أمر الاهتمام بالعدل مع
غير المسلمين بارزًا جدًّا في وصية رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل وهو
يُرسله إلى اليمن، وبها كثير من النصارى واليهود. قال له: «إِنَّكَ سَتَأْتِي
قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ
يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ،
فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ
عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا
لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً
تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ
أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ
الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». فهذه وصية
جامعة لمعاذ بن جبل ولكل المسلمين، فلا يجب أن تلهيه القوة أو
السلطان عن رؤية الحق وعن نصرة المظلومين؛ إذ إنَّ دعوة المظلوم -بصرف النظر عن
ديانته أو عقيدته- ليس بينها وبين الله حجاب. هذه هي نظرة رسول الله إلى
المظلوم بصفة عامة، وإن كنتَ مستغربًا لها فاسمعْ إلى كلامه في حديث آخر حين
قال: «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا؛ فَإِنَّهُ
لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ». وفي رواية أخرى لأحمد –رحمه الله- قال: دَعْوَةُ
الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا؛ فَفُجُورُهُ عَلَى
نَفْسِهِ». فهذا تصريح بيِّن أن المظلوم ليس بينه وبين الله حجاب، ومن هنا فإن
المسلم الصادق لا يظلم أبدًا لإحساسه الدائم برقابة الله عليه، وأن المسألة
مسألة عقائديَّة، وأن الله ينصر المظلوم يوم القيامة على الظالم، وإن كان
المظلوم كافرًا والظالم مسلمًا، وأن رسول الله ﷺ يقف مع المظلوم ضد
الظالم يوم القيامة بصرف النظر عن ديانة كل منهما. هذا هو ديننا لمن لا يعرفه،
وهذه هي أخلاقنا التي نعتز بها.
عمر بن الخطاب
عدل عمر بن الخطاب مع الجميع. في موطأ الإمام مالك بسنده
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ
إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ،
فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ.
فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟
فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي
بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ
يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا
تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ.
وكان عمر بن الخطاب يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم،
فإذا اجتمعوا قال: أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من
أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فُعل به غير ذلك
فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك ضربني مائة
سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين
إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أقيد، وقد
رأيت رسول الله يقيد من نفسه قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فأرضوه. فاقتدى منه
بمائتي دينار كل سوط بدينارين ولو لم يرضوه لأقاده.
وعن أنس أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا
أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال: عذت معاذًا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص
فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره
بالقدوم ويقدم بابنه معه، فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه
بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه، ونحن نحب
ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على
صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه. فقال عمر
لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين لم
أعلم ولم يأتني.
لقد قامت دولة الخلفاء الراشدين على مبدأ العدل وما أجمل
ما قاله ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة
الظالمة ولو كانت مسلمة بالعدل تستصلح الرجال وتستغزر الأموال. وأما مبدأ
المساواة الذي اعتمده الفاروق في دولته، فيعد أحد المبادئ العامة التي أقرها
الإسلام قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. إن الناس
جميعًا في نظر الإسلام سواسية، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم،
الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس أو اللون أو النسب
أو الطبقة، والحكام والمحكومون كلهم في نظر الشرع سواء، وجاءت ممارسة الفاروق لهذا
المبدأ خير شاهد.
قصة رائعة عن انتشار العدل في عهد عمر رضي الله عنه